فصل: تفسير الآية رقم (15):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (13- 14):

{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)}
قوله عز وجل: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً} وفي {شَرَعَ لَكُم} أربعة أوجه:
أحدها: سن لكم.
الثاني: بيَّن لكم.
الثالث: اختار لكم، قاله الكلبي.
الرابع: أوجب عليكم.
{مِنَ الدِّينِ} يعني الدين ومن زائدة في الكلام.
وفي {مَا وَصَّى بِهِ نوحاً} وجهان:
أحدهما: تحريم الأمهات والبنات والأخوات، لأنه أول نبي أتى أمته بتحريم. ذلك، قاله الحكم.
الثاني: تحليل الحلال وتحريم الحرام، قاله قتادة.
{وَالَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ} فيه وجهان:
أحدهما: اعملوا به، قاله السدي.
الثاني: ادعوا إليه. قال مجاهد: دين الله في طاعته وتوحيده واحد.
ويحتمل وجهاً ثالثاً: جاهدوا عليه من عانده.
{وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ} وفيه وجهان:
أحدهما: لا تتعادوا عليه، وكونوا عليه إخواناً، قاله أبو العالية.
الثانية: لا تختلفوا فيه فإن كل نبي مصدق لمن قبله، قاله مقاتل.
{كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} قاله قتادة: من شهادة أن لا إله إلا الله.
ويحتمل أن يكون من الاعتراف بنبوته، لأنه عليهم أشد وهم منه أنفر.
{اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ} الآية. فيه وجهان:
أحدهما: يجتبي إليه من يشاء هو من يولد على الإسلام.
{وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} هو من يسلم من الشرك، قاله الكلبي.
الثاني: يستخلص إليه من يشاء. قاله مجاهد ويهدي إليه من يقبل على طاعته، قاله السدي.
قوله عز وجل: {وَمَا تَفَرَّقُواْ} فيه وجهان:
أحدهما: عن محمد صلى الله عليه وسلم.
الثاني: في القرآن.
{إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءهُمُ الْعِلْمُ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: إلا من بعد ما تبحروا في العلم، قاله الأعمش.
الثاني: إلا من بعد ما علمواْ أن الفرقة ضلال، قاله ابن زياد.
الثالث: إلا من بعد ما جاءهم القرآن، وسماه علماً لأنه يتعلم منه.
{بَغْياً بَيْنَهُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: لابتغاء الدنيا وطلب ملكها، قاله أُبي بن كعب.
الثاني: لبغي بعضهم على بعض، قاله سعيد بن جبير.
{وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِكَّ} فيه وجهان:
أحدهما: في رحمته للناس على ظلمهم.
الثاني: في تأخير عذابهم، قال قتادة.
{إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إلى قيام الساعة لأن الله تعالى يقول: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُم} الآية.
ويحتمل إلى الأجل الذي قُضِيَ فيه بعذابهم.
{لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أي لعجل هلاكهم.
{وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُواْ الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ} فيهم قولان:
أحدهما: أنهم اليهود والنصارى، قاله السدي.
الثاني: أنهم نبئوا من بعد الأنبياء، قاله الربيع.
{لفِي شَكٍ مِّنْهُ مُريبٍ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لفي شك من القرآن، قاله الربيع.
الثاني: لفي شك من الإخلاص، قاله أبو العالية.
الثالث: لفي شك من صدق الرسول، قاله السدي.

.تفسير الآية رقم (15):

{فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)}
قوله عز وجل: {فَلِذَالِكَ فَادْعُ} معناه فإلى ذلك فادع، وفي المراد بذلك وجهان:
أحدهما: القرآن، قاله الكلبي.
الثاني: التوحيد، قاله مقاتل.
وفي قوله: {فَادْعُ} وجهان:
أحدهما: فاعتمد.
الثاني: فاستدع.
{وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: واستقم على أمر الله، قاله قتادة.
الثاني: على القرآن، قاله سفيان.
الثالث: فاستقم على تبليغ الرسالة، قاله الضحاك.
وفي قوله: {وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُم} وجهان:
أحدهما: في الأحكام.
الثاني: في التبليغ.
وفي قوله: {لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} ثلاثة أوجه:
أحدها: لا خصومة بيننا وبينكم، قاله مجاهد، قال السدي: وهذه قبل السيف، وقبل أن يؤمر بالجزية.
الثاني: معناه فإنكم بإظهار العداوة قد عدلتم عن طلب الحجة، قاله ابن عيسى.
الثالث: معناه إنا قد أعذرنا بإقامة الحجة عليكم فلا حجة بيننا وبينكم نحتاج إلى إقامتها عليكم.
وقيل إن هذه الآية نزلت في الوليد ابن المغيرة وشيبة بن ربيعة وقد سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع عن دعوته ودينه إلى دين قريش على أن يعطيه الوليد نصف ماله ويزوجه شيبة بابنته.

.تفسير الآيات (16- 18):

{وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16) اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18)}
قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي اللَّهِ} فيه قولان:
أحدهما: في توحيد الله عز وجل.
الثاني: أنهم اليهود قالوا: كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، ونحن خير منكم، قاله قتادة.
{مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: من بعد ما أجابه الله إلى إظهاره من المعجزات.
الثاني: من بعد ما أجاب الله الرسول من المحاجة.
الثالث: من بعد ما استجاب المسلمون لربهم وآمنوا بكتابه ورسوله، قاله ابن زيد.
{حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ} فيه وجهان:
أحدهما: باطلة، قاله ابن عيسى.
الثاني: خاسرة، قاله ابن زيد.
قوله عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} فيه وجهان: أحدهما: بالمعجز الدال على صحته.
الثاني: بالصدق فيما أخبر به من ماض ومستقبل.
{وَالْمِيزَانَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه الجزاء على الطاعة بالثواب وعلى المعصية بالعقاب.
الثاني: أنه العدل فيما أمر به ونهى عنه، قاله قتادة.
الثالث: أنه الميزان الذي يوزن به، أنزله الله من السماء وعلم عباده الوزن به لئلا يكون بينهم تظالم وتباخس، قال قتادة: الميزان العدل. {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} فلم يخبره بها، ولم يؤنث قريب لأن الساعة تأنيثها غير حقيقي لأنها كالوقت.

.تفسير الآيات (19- 22):

{اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19) مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)}
قوله عز وجل: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} الآية. فيه وجهان:
أحدهما: أن الله تعالى يعطي على نية الآخرة من شاء من أمر الدنيا، ولا يعطي على نية الدنيا إلا الدنيا، قاله قتادة.
الثاني: معناه من عمل للآخرة أعطاه الله بالحسنة عشر أمثالها، ومن عمل للدنيا لم يزد على من عمل لها. {وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةَ مِن نَّصِيبٍ} في الجنة وهذا معنى قول ابن زيد وشبه العامل الطالب بالزارع لاجتماعهما في طلب النفع.

.تفسير الآيات (23- 24):

{ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24)}
قوله عز وجل: {قُل لاَّ أسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} فيه خمسة أوجه:
أحدها: معناه ألا تؤذوني في نفسي لقرابتي منكم، وهذا لقريش خاصة لأنه لم يكن بطن من قريش إلا بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة، قاله ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وأبو مالك.
الثاني: معناه إلا أن تؤدوا قرابتي، وهذا قول علي بن الحسين وعمرو بن شعيب والسدي. وروى مقسم عن ابن عباس قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم سيئاً فخطب فقال للأنصار «أَلَمْ تَكُونُواْ أَذِلاَّءَ فَأعِزَّكُمُ اللَّهُ بِي؟ أَلَمْ تَكُونُوا ضُلاَّلاً فَهَداَكُمْ اللَّهُ بِي؟ أَلَمْ تَكُونُوا خأَئِفِينَ فَأَمَّنَكُمُ اللَّهُ بِي؟ أَلاَ تَردُواْ عَلَيَّ فقالواْ: بم نجيبك؟ فقال تَقُولُونَ: أَلَمْ يَطْرُدْكَ قَوْمُكَ فَآوَيَنَاكَ؟ أَلَمْ يُكَذِّبْكَ قَومَكَ فَصَدَّقْنَاكَ؟ فعد عليهم، قال: فجثوا على ركبهم وقالواْ: أنفسنا وأموالنا لك». فنزلت {قُل لاَّ أَسْأَلَكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}.
الثالث: معناه إلا أن توادوني وتؤازروني كما توادون وتؤازرون قرابتكم، قاله ابن زيد.
الرابع: معناه إلا أن تتوددوا وتتقربوا إلى الله بالطاعة والعمل الصالح، قاله الحسن، وقتادة.
الخامس: معناه إلا أن تودوا قرابتكم وتصلوا أرحامكم، قاله عبد الله بن القاسم.
{وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنةً} أي يكتسب، وأصل القرف الكسب.
{نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً} أي نضاعف له بالحسنة عشراً.
{إِنَّ اللَّه غَفُورٌ شَكُورٌ} فيه وجهان:
أحدهما: غفور للذنوب، شكور للحسنات، قاله قتادة.
الثاني: غفور لذنوب آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، شكور لحسناتهم، قاله السدي.
قوله عز وجل: {فَإِن يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أي ينسيك ما قد آتاك من القرآن، قاله قتادة.
الثاني: معناه يربط على قلبك فلا يصل إليه الأذى بقولهم افترى على الله كذباً، قاله مقاتل.
الثالث: معناه لو حدثت نفسك أن تفتري على الله كذباً لطبع الله على قلبك، قاله ابن عيسى.
{وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} يحتمل وجهين:
أحدهما: ينصر دينه بوعده.
الثاني: يصدق رسوله بوحيه.